احلاهم تحداهم غلا فعال
عدد المساهمات : 104 نقاط : 156 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 29/03/2010
| موضوع: قصة روعة عن شرورة والوديعة مع المعلومة الكاملة ....؟ الخميس يونيو 17, 2010 8:36 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
القصة منقولة شرورى – بين مكة وحضرموت
توطئة
قدم لنا المقدم عاتق بن غيث البلادي درة متميزة في كتابه ( بين مكة وحضرموت ) والتي خصصها لرحلاته وتنقلاته بين مدن وقرى المملكة , وكان للجهات الجنوبية نصيباً طيباً في كتابه .. وقد اعتمد بعض الباحثين كتابه هذا كمرجع معاصر لما تميز به المؤلف من تقديم مادته بشكل موضوعي مفيد .
وأحببت أن أنقلكم جزءاً يسيراً مما وجدت , ولعل في ذلك إقامة للفائدة بيننا , وتبادل للمعلومة .. وإضافة مادة جديدة تخص هذا الجانب .
" شَرَوْرَى "
وأخيراً وبعد مسير 345 كيلاً أشرفنا على مدينة شرورى ,كانت الساعة التاسعة والنصف تقريباً , ذلك أن هذه الطريق معبدة تعبيداً رائعاً , ولذا استغنينا في هذا اليوم عن الجيب , وذهبنا في سيارتي المرسيدس .
تقع شرورى في منخفض جلد تحيط به الرمال , ففي الشمال جبال رمال تتخلها شقائق جلدة , وهي تذكرنا بالدهناء شرق الرياض , ومن الشرق الربع الخالي (رمل يبرين) وهو بحور من الرمال لا تسير فيها سيارة ولا يخترقها إنسان إلا في مواضع قليلة يعرفها أهلها , ومن الغرب جبال اليمن امتداد السراة حيث تسكن قبائل دهم وبطون أخرى من همدان , وقيل لي أن تلك الجبال تبعد من هنا (200) كيلاً , ولا أستبعد ذلك فالصحاري هنا واسعة شاسعة , أما من الجنوب فجبال حضرموت , تمتد من الشرق إلى الغرب باتجاه مقاطع لسابقتها , مما يكون من التقائهما زاوية شبه قائمة .
هذه الزاوية يكون رأسها في مأرب : المدينة التاريخية القديمة , وفي بطن الزاوية تتكون رمال السبعتين (1) .
وقيل لي هنا أن جبال حضرموت تبعد قرابة (150) كيلاً , غير أنني أستبعد ذلك , لأننا عندما ذهبنا إلى (الوديعة) رأينا هناك جبال حضرموت , سراة ممتدة من الغرب إلى الشرق , تشبه سراة اليمن إلى حد بعيد.
تلتقي عند شرورى منازل أربع قبائل كبار : يام من الشمال والشمال الشرقي , وقبائل من ( أبا العبيد) ومنهم الكرب من الجنوب والجنوب الشرقي , والصيعر من الجنوب والجنوب الغربي , ونهد من الغرب , وكل قبيلة أفردنا القول عنها في بابها .
ذهبنا إلى إحدى المطاعم , فتناولنا فيه طعام الإفطار , ثم توجهنا إلى امارة شرورى , فوجدنا الشيخ : علي بن عبدالله الشويعر (2) أمير منطقة شرورى جالساً في مكتبه ,فرحب وسهل , وبذل مجهوداً مشكوراً في مساعدتنا, ثم تحدث عن شرورى فقال : كانت شرورى صحراء قاحلة لا شي فيها , ثم حفرت الحكومة السعودية بئراً ارتوازياً سنة 1374هـ , عمقها (1050) م , ذات ماء معدني , قال الشيخ أنه يفتت الحصى من الكلى , فصارت البئر مورداُ لقبائل المنطقة , وفي سنة 1375هـ , أسست الدولة أول مركز إداري , فأخذت البلد تنمو , وتكاثرت البادية حولها , وكان المركز في خيام ثم في صنادق , ثم كما ترى الآن ( قصر فخم مبني بالإسمنت المسلح مكيف بالكهرباء) .
أما البلدة فتشبه أي بلدة ناشئة , مخططة تخطيطاً بديعاً , غير أن الأرض على جوانب الشوارع ليست معمورة , ويختلط فيها بناء الأسمنت المسلح والأحواش والصنادق , وشوارعها ليست كلها معبدة , وكذلك مدخلها كان تحت التعبيد , وتشتد الرياح بعد الظهر فتثير الأتربة , وهو أهم ما يشكو منه السكان , ويذكرني هذا بحالة تبوك أول نهضتها , حيث كانت الزوابع تنغص علينا الحياة هناك , والذي أعتقده أنه شرورى ستلحق بتبوك , غير أن هذه الأرض غير الأرض , والإمكانات الطبيعية غير إمكانات تبوك .
ويوجد في شرورى من الدوائر الحكومية : الإمارة , الشرطة , والبلدية , والمحكمة , وقيادة عسكرية .
" الوُدَيْعة "
ابدينا للشيخ رغبتنا في زيارة الوديعة , فأمر بسيارة (G.M.C) مصندقة ومكيفة , يقودها السائق مقبل بن محمد الصيعري , وقال الشيخ : هذه سيارتي الخاصة , ولما قلنا له : إن سيارتنا يمكن أن تقوم بالمهمة , قال مبتسماً : سيارتكم انتهى عملها هنا , وأنتم في ضيافتنا , وكلنا في خدمتكم . فشكرناه , وتوجهنا مع " مقبل " على طريق الوديعة باتجاه الجنوب الغربي , ولم نسر إلا بضع أكيال حتى أحسسنا بارتجاج في السيارة , فتوقف السائق وتفقد السيارة , فإذا إحدى عجلاتها قد ( بنشرت ) , وكانت الشمس قد اشتدت حرارتها , وزاد من وهجها وجود الإسفلت والرمال البيض المحيطة بنا , وبدل مقبل العجلة بسرعة جيدة , ثم واصلنا سيرنا , وعندما شاهدنا جبل ( الوديعة ) صرنا في أرض ليست رملية , إنما حزوم وجلد , وهذه تسمى (حيلة شنية ) وظهرت إلى يسارنا ببعد جبال ( قعافز ) في ديار الصيعر , وعلى (45) كيلاً من شرورى وكنا قد وردنا الوديعة .
وتلتقي عند الوديعة – أيضاً – ديار أربع قبائل : الصيعر من الشرق والجنوب , والكرب – من أبا العبيد – من الجنوب , ونهد تختلط مع الكرب , ويام من الشمال : آل مرة الذين تمتد ديارهم إلى جنوب نجد , وآل فهاد , وآل دمنان , وآل العرجاء , وتمتد ديارهم من هنا إلى نجران , ولبعد هذه البطون عن نجران , فإن مذهبها سني لا إسماعيلي , وكذلك بقية القبائل هنا , وتقع ديارهم غرب الوديعة على الحدود مع الدولتين : السعودية واليمنية , أي أن ديار همدان اليوم تمتد من التقاء الحدود السعودية اليمنية السعودية الحضرمية , بين صنعاء وعدن وشرورى إلى نجران , ثم تمتد شرقاً شمالياً , إلى جنوب شرقي الرياض بدون أنقطاع , وهذه من أوسع الديار بعد عنزة وحرب (3)
" تأسيس الوديعة "
والوديعة – بالتصغير المرخم - : كانت أكمة صغيرة في وسط هذه الصحراء , ولكونها منفردة لا يتصل بها شيء سموها ( الوُدَيعة ) تصغير ودعة , وهو نوع من محارات البحر , تستعمله البادية في ( الخط ) وهو نوع من الكهانة , وقد توضع على ما يدرء العين عنه , ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم , : من علق ودعة فلا أودع الله له , وقد يستعمل الودع في الزينة , ففي بعض البوادي ترصع البراقع بالودع , وقد شاهدت ذلك أثناء رحلاتي .
المهم في الموضوع أن الوديعة سميت تشبيهاً بذلك , ولصغرها صغروها .
ويمر بسفح الوديعة واد يسمى ( دَخِين ) فيه ثمد ( ماء قليل ) يجم وقت السيول فيظل الشتاء والربيع , ويجف في الصيف , هذا كل ما كان يعرف عن الوديعة من حياة , ونظراً لقربها من الحدود فقد جعل سلاح الحدود فيها مركزاً صغيراً سمي مركز (الوُدَيعة) .
وفي رمضان عام 1389هـ , هاجمت قوة من الجيش العدني ذلك المخفر واستولت عليه بعد مقاومة بسيطة , كان قائد المخفر زميلاً لي يدعى صامداً الشراري , وكان في رتبة نقيب فيما أذكر .
ولم تلبث أن الحرب اندلعت بين الدولتين الشقيقتين المتجاورتين , ولم يستطع أحد أن يقف في سبيل نشوبها , فحدثت الحرب التي عرفت بحرب الوديعة , ولأن الأسم نقل في الصحف غير مشكل فقد قرئ ( الوَدِيعَة ) , وبذلك تناقلته الإذاعات فرسخ في أذهان الناس بهذا اللفظ , وطارت شهرتها حتى لم يعد أحد يسمع بها .
وبعد تلك الحرب – أو بالأصح أثناءها – ضربت وزارة الدفاع أنبوبة ارتوازية , بجوار تلك الأكمة , فجاشت بماء غزير عذب , وجدنا الناس يستقون منه , ثم تأسس سنة 1396هـ فرع لأمارة شرورى بهذا الموضع , فبدأت البوادي تفد إلى ذلك الماء , وتتعامل مع ذاك المركز , وكعادة الناس في تأمين متطلبات الحياة , فقد تأسست بعض المرافق , كالوقود , وصيانة السيارات , وبعض الدكاكين .
وفي سنة 1399هـ تأسست أول مدرسة ابتدائية للبنين , ثم بدأ المواطنون يطلبون عمارة الأرض , وقيل إن مخططاً للموقع يدرس الآن .
وقيل لنا هنا أنها تبعد عن حدود اليمن الجنوبي التي تصل إليها الدوريات من (55-60) كيلاً , على أن الحدود غير محددة رسمياً بين البلدين , واليمن الجنوبي : اسم اطلق على حضرموت وعدن بعد الإستقلال سنة 1389هـ , ومن هنا ترى جبال حضرموت كالعرف , ظاهرة واضحة .
أما دوريات منطقة الوديعة المتجهة شرقاً فتصل إلى : الحرج , وأمهات عبلة والخرخير (4) , كذا قال الشيخ محمد بن ناجي المري اليامي أمير مركز الوديعة , وقال : إن هذه المواقع تبعد من هنا إلى الشرق قرابة (800) ثمانمائة كيل , وهي بين الرمل ( الربع الخالي ) وحضرموت .
ولما وصلنا إلى مركز أمارة الوديعة وجدنا أميرها في مكتبه , وكان مزدحماً بالناس , فاختصرنا في غرفة خاصة , ومنه أخذنا ما قدمنا من معلمومات .
" شرورى مرة أخرى "
عدنا إلى شرورى – بعد إلحاح أمير الوديعة علينا بالبقاء للغداء – فوجدنا الشيخ أمير شرورى في انتظارنا , وكان قد أولم لنا وليمة دعا إليها نخبة من موظفي الدولة بهذا البلد , كان يميزهم عنصر الشباب .
وكان قد ضرب موعداً لشيوخ القبائل الموجودين , فحضر شيخ الصيعر , وشيخ الكرب , وشيخ نهد , ولم يجد الرسول شيخ بني مرة من يام , وليس هذا شيخ جميع بني مرة , إنما هو شيخ من يوجد منهم هنا , ذلك أن ديار بني مرة تمتد من هنا إلى الأفلاج في نجد , وإلى واحة يبرين : جنوب شرق الرياض .
كان موعد الجميع في منزل الشيخ في الساعة الثالثة , وحضر من ذكرنا , فكانت مناقشات حول القبائل وأنسابها وديارها , وقد اشترك فيها الأمير وصحح بعضها , وقد عرفنا هنا أن بعضاً من كبار الحضارم في مكة وجدة يرجعون إلى قبيلة الصيعر هذه كما سترى في فروعها , ومن هؤلاء : الشيخ سالم بن محفوظ صاحب البنك الأهلي التجاري , الغني المحسن , فهو من فخذ آل ابن محفوظ من قبيلة الصيعر , وأسر أخرى تجارية وعلمية ترجع إلى هذه القبائل الصحرواية .
وفي الساعة الخامسة ودعنا الجميع شاكرين عائدين إلى نجران , فوصلناها في التاسعة ليلاً .
" ماهو أسم شرورى القديم ؟ "
تبعد شرورى – كما ألمحنا سابقاً – ( 345) كيلاً شرقاً من نجران , قي فلاة مهمهٍ يضل فيها السائر في وضح النهار , وترتفع عن سطح البحر قرابة 914 قدماً , وهي الزاوية الجنوبية الغربية للربع الخالي , وعلى خط طول 15 و47 ْ تقريباً , وبين خطي 17 و 18 ْ , وتقع الوديعة جنوباً منها على 45 كيلاً كما ذكرنا سابقاً .
وأهم المناطق المعروفة حول شرورى : رمال القعاميات في الشرق إلى الشمال , وشقة الخريطة : خَبْت واسع إلى الغرب .
ولم أجد لشرورى ذكراً فيما نظرت من مراجع قديمة , ولا حديثة , فلم يذكرها الهمداني في صفة جزيرة العرب , ولم يذكرها الأكوع في اليمن الخضراء , بينما ذكر الوديعة , ولكنه غير موقعها في الخريطة إلى الجنوب كثيراً , وكلاهما معذور , فالمكان يقع في مجاهل الصحراء , في فلاة كانت تسمى (صيهد ) وهي واسعة شاسعة , ثم إن المكان لم تكن فيه حياة قبل تأسيس ذلك المخفر الذي مر ذكره , ولذا فإنك تجد أن أهل الديار لا يكادون يضبطون أسمها , فقد سألت شيخاً ممن كانوا عند أميرها : هل الإسم الصحيح شرورى أم شروره ؟! فقال : ناس يقولون كذا وناس يقولون كذا ! .
أما الورقة التي كتبها لي وكيل أمارة نجران فقد جاء فيها ( شرورا) , وفي الخريطة ظهرت ( الشرورى ) من هذا يظهر لك أن الأسم ليست له جذور , وما كان معروفاً إلا عند من ينتجعه من البوداي .
هوامش المؤلف :
(1) سميت رمال السبعتين لأنها تتكون من رملتين متجاورتين تتكون كل منهما من سبعة حبال رمل , وهي تمتد من التقاء سراة اليمن بسراة حضرموت قرب مأرب شرقاً , وتمتد باتجاه الشرق , قد كتبها أحد المستشرقين بالأحرف اللاتينية فعربت ( السابتين ) وهو خطأ . (2) من آل الشويعر في حائل .
(3) انظر عنها : نسب حرب , ومعجم قبائل الحجاز , ورحلات في بلاد العرب .
(4) تبعد الخرخير 440 كيلاً شرقي شرورة إلى الشمال .
ص (110-116)
بين مكة وحضرموت , رحلات ومشاهدات الطبعة الأولى 1402هـ المقدم / عاتق بن غيث البلادي
نتمنى أن يستفيد منه أصحاب الشأن , ولي تعليقات إضافية عليها بحول الله في وقته . ودمتم بود - كاتبه وناقله / أبوبدر بلوعل . | |
|